شفافية المسؤول السعودي

الشفافية، الكلمة الأكثر إستخداما لدينا بعد ” الارهاب” وإفتتاح المشاريع العملاقة. هذا المصطلح الذي لا يعرفه المواطن السعودي ولا يعلم أبعاده ومقاصده والهدف االمراد منه. وربما سنحت له الفرصة ليسمعها من أحد الوزراء وهو يتشدق بأن وزارته تضع الشفافية نصب عينيها وهموم المواطن فوق رأسها وتوجيهات الملك فوق كل هذا، ولا أحد يدري كيف يجري الأعمال داخل إدارته ولعل تصريحاته كانت في تعارض صارخ لما هو قائم في الأساس. هذه شفافية العمل الحكومي التي أصابت المواطن بفقدان السمع والضغط والسكري والتخمة من كثرة ترديدها.
“الفساد هو سوء استغلال السلطة من أجل تحقيق مكاسب شخصية”. هذه العبارة هي التعريف الرسمي لمنظمة الشفافية الدولية التي تصدر قوائم سنوية بأكثر الدول شفافية في العالم وأكثر الدول فساداً كذلك. إنها منطمة دولية لا يعرفها المواطن السعودي الصغير لأن مقرها برلين وهي غير خاضعة لأي دولة وهدفها غير ربحي. هدفها الوحيد هو مكافحة الفساد التي تعتبره العائق الأساسي للنمو الأقتصادي والديمقراطي في أي بلد.النمو الديمقراطي الذي يسمع عنه المواطن كثيراً ولايهتم له. هذه المؤسسة انشئت في عام 1993 على يد المدير السابق لعمليات البنك الدولي في أفريقيا وأمريكا اللاتينية “بيتر إيجن – Peter Eigen”. وبدأت في نشر “مؤشر الرشوة” بشكل غير رسمي في عام 1995 و رسمياً في عام 1999. هذا المؤشر أصبح علامة فارقة في مدى نزاهة الحكومات وأصبحت من التقارير التي تضع لها الحكومات الدولية ألف حساب، وضعت المملكة العربية السعودية في مؤشرها للفساد والرشوة في المرتبة 50 من ضمن 180 دولة في العام 2010. الحدث الذي احتفت به صحفنا ودور الإعلام السعودية بجدارة. وتناسوا أن يتسائلوا لماذا لا نكون في الصدارة وتكون مملكتنا الحبيبة في القمة كما نريدها أن تكون في كل المحافل الدولية.
مؤشر الفساد العالمي. هذا المؤشر الذي يصدره خبراء غربيون وجهلاء بوطننا الذي نعرف تفاصيله بكل حذافيرها ونعلم جيداً حقيقة الفساد المستشري في أوردة الإدارات الحكومية إلى الدرجة التي دفعت الملك إلى إنشاء جهاز حكومي يُعنى بمكافحته وإنشاء مؤسسة مدنية مساندة له. الأمر الذي يوثق الواقع والحقيقة المُرة بأن الفساد ضارب في الوجود ولا فرار منه في حياتنا وأنه حقيقة مطلقة لا خلاف عليها في أرضنا.
إن كان للفساد درجات عديدة. فهذا لايهم. الفساد فساد وإن إختلفت درجاته. لكن حقيقةً لا تهمني تقسيماته وفروعه ودرجاته أنا المواطن الصغير. ولا تهمني المشاريع الجبارة والإستثمارات الحكومية الطائلة في المدن الصناعية والإقتصادية بقدر إهتمامي بالعمل الحكومي والإدارات المرتبطة بحياتي اليومية. البلديات، مراكز الشرطة، المرور، المحكمة، المدارس وهلمجرا. هذه المباني المغلقة والتي لانعرف كيف تدار وكيف تجري فيها الأمور. لا تلوموني على هذا التفكير، لكنني لا أعرف إلا هذا الحي الذي أسكنه والقرية التي أزورها وهذا كل ما أريد معرفته من الأداء الحكومي والمشاريع والأعمال التي تمس شارع منزلي ومعالم الحارة التي أسكن والمدرسة الوحيدة فيها.
الشفافية موضوع شائك، وأتذكر حين قرأت عنها لأول مرة في الصحافة وسمعت للأصوات المطالبة بالشفافية والتي جعلتها الحل الأمثل لمكافحة الفساد ورقي الوطن والطريق السريع للديمقراطيقة ووضع المواطن في منتصف منظومة صنع القرار. هذا مالا أفهمه أبداً. الفساد له أبعاد أكبر وأكثر عمقاً من حلول الشفافية ويحتاج إلى ثورة أخلاقية قبل أن تكون معرفية تخاطب المواطن وتُطلعه على كل مُستجد في العمل الحكومي من أجل مكافحة مايمكن أن يجعل أداءه مثاراً للشكوك. ولا أعني أن الشفافية لا تستطيع مكافحة الفساد لكنها الخطوة الأولى لمحاربته والحد منه. وإن كانت الأصوات تتعالى من أجل إشراك المواطن في صنع القرار والأخذ برأيه بما يمس نمط حياته وطريقة معيشته فهذا لا يمكن أن يتحقق والمواطن لا يجد نشرات دورية ومؤتمرات صحفية من القائمين على المؤسسات الخدماتية المحيطة به من كل حدب وصوب والتي تعمل على طريقة التكفير القديمة في أن “الشيوخ أبخص” وأن المواطن ليس بحاجة لمعرفة تفاصيل المشاريع الصغيرة والمتوسطة التي ستربك حياته من أجل تلامس أرض الواقع.
هذا المصطلح غريب على المواطن العادي. الشفافية، ماهي الشفافية؟ وما الذي أستفيده من الشفافية؟ وما إلى ذلك من الأسئلة المستحقة والساذجة والتي يحتاج المواطن إلى معرفتها.
عندما يطالعنا مسؤول رفيع المستوى ويبتسم لجموع الصحفيين وهو في أبهى حلة ليخبرهم أنه لا يوجد أي أخطاء أدارية وأن المشاريع ستحقق نسبة عالية من الإيرادات وأن العمل قائم على قدم وساق من أجل رفاهية المواطن، إنه يستخف بعقول المواطنين بوعي منه أو بلاوعي. هذه التصريحات الصحفية الضحلة لاتخدمني بشيء ولاتقدم أي حقائق أو إحصائات تدعم كلامه الذي يفترض منه أن يدفعنا للتفاؤل والطمأنينة. حيث أن هذه التصريحات تزيد من الإحتقان الوطني وتزيد من ضعف الثقة بالمسؤول وتباعد المسافة بين المواطن والحكومة. وطالما أن المواطن يستطيع الوصول إلى قناة من التواصل مع المسؤولين فسيكون لديه ثقة كبيرة بهم. المواطن عندما يجد حلقة وصل من الشفافية المبتغاة يكون قاعدة صلبة وحائطاً صاداً لإنعدام الثقة مع الحكومة وتبعاتها المخيفة.
أنا مواطن صغير ولا يهمني أبداً أن المدن الصناعية ستأتي لنا بمردود إقتصادي كبير على المدى البعيد للوطن ككل، أو أن جموع المبتعثين لم يكن بينهم حالة فاشلة بدون أي إحصائيات ملموسة، أو أن المدينة المالية ستأتي لنا بشركات كبرى ومشاريع عملاقة؟ أنا مواطن صغير ولا أريد جُمل رنانة تبدأ بـ “سوف”و “سيكون” وكل مايدل على المستقبل القريب أو البعيد بدون إطلاعي على الدراسات والتقراير الدورية عن هذه المشاريع.
أنا مواطن صغير وكل مايهمني هو فعالية البريد ومشاريع التصريف الصحي وتكلفتها ومدى كفاءة منفذيها، يهمني إنقطاع التيار الكهربائي وكم من المتوقع أن أصرف من جيبي جراء ذلك، كل ما أهتم له هو لماذا ينقطع الماء عن بيتي وأٌقضي الساعات الطوال من أجل “وايت” محمول بالماء الذي وعدتنتي إياه أمانة المدنية قبل سنة وتركتني احارب جيراني من أجل قطرة ماء. يهمني كم التكلفة الفعلية للطريق الموازي لمنزلي والشركة التي أُرسي عليها المشروع وكفاءتها وكم ستستنزف خزينة بيت مال المواطنين؟ أنا مواطن صغير ويهمني أسعار الشعير وسبب تدخل الدولة فيها وإلى متى سيتكرر هذا المنوال؟ يهمني كيف أصبح الشعير من الموارد التي تتدخل فيها بقوة السلاح وتخلق لها تنظيما عجيباً يجعني أقاسي حرارة الشمس والعطش؟ أو كيف أصبحت هذا الشركة التي أتت وإنشأت في ليلة وضحاها لتفوز بمناقصة كريمة لتعبيد الطرقات في الحي؟ أريد أن أعرف على أي أساس قام المسؤولون في البلدية بوضع هذه الميزانية بالملايين ووهبوها لهذه الشركة الجديدة وعديمة الخبرة من أجل توسعة الشارع الرئيسي في مدينتي، وعلى أي تسعيرة وكفاءة وأية معايير، ولماذا لم يتم تنفيذ المشروع في المدة المطلوبة ولماذا لم يتم محاسبة الشركة المسؤولة؟ أو ماذا انتظر من هذا المشروع وذاك؟ ولماذا لم أعرف أنهم سيقومون ببناء حديقة أو مسجد أو مدرسة أو منشأة حكومية في الشهر القادم ولم يعلم عنها أي بشر، ولماذا لا أجد بين يدي أية معلومات وتقارير تخبرني عن هذا؟
أنا مواطن صغير وكل ما أريده الشفافية التي أسمعها من أفواه المسؤولين ولا أراها.

2 الردود to “شفافية المسؤول السعودي”


  1. 1 AHMED 6 سبتمبر 2011 عند 14:47

    لأنك وبكل بساطة مواطن سعودي , وتعيش في السعودية , مع التلاعب القليل بالحروف واعادة صياغة كلمة السعودية , تجد انها اكثر دلالة على التيوسية , او التعوسية ,( من التعاسة ) ,

    طبعاً ما ذُكر اعلاه , طبعاً كان بكامل الشفافية .


اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s




تغريدة تويتر

رميتُ في الذاكرة

Blog Stats

  • 59٬114 hits

%d مدونون معجبون بهذه: