– هاك القلم وأكتب.
يصرخ نحوك وسط العتمة.
أيامٌ كثيرة مرت ولم تصافح وجهكَ أشعة الشمس ولم تضع قبلاتها الحارقة على جسدك. عيناكَ لم تتسع لرؤية الضوء والناس!. في هذا المكان الذي تُسميه كهف الرجل الحجري؛ يغازلك إحساس عميق بالإندثار، بالسقوط في بئر عميق من الهذيان. في هوة عزلتك. إخترت العزلة لتحيا!. دقات قلبك تركض مثل الخيل بأقصى قوة مترددة بين القبض والبسط. ويتبعها صدرك؛ يعلو ويهبط سريعاً ويكتمل بإرتطام خيالاتك في زجاج النهاية، تنسكب في شظاياك مثل الزيت. تحترق؛ تتطاير لهباً في السماء. يمتصك ثقب في جرم الكون ويقذفك في ذبذبات الفراغ.
– هاك القلم وأكتب. لايصمت، لايتوقف. أمسك القلم وأكتب
تحلم كثيرًا في اليقظة؛ أنك أصبحتَ خفاشًا. خفاش صغير يجول في ليلة حالكة الظلام. تُصرخ لكي ترى، تبكي لكي تسمع نشيج الأزقة والأماكن. تسكن كهفاً تُسميّه غرفتكْ. ترفرف جناحيك مرة واحدة لتحلق على إنخفاض وكلما إقتربت من الأرتطام بأرض الواقع تحركهما مرة أخرى. رفة إثر رفة. تعيش في سقف الغرفة. وبقدم واحدة تكون معلقاً من الأعلى إلى الأسفل. دمك يجتمع في رأسك. ترتعش قدمك، وتفيق من يقظتك إلى يقظة أخرى:
– أن أقع على رأسي، أغيب عن الوعي ثم لا أفيق.
أكان هذا حلم أم خيال؟ لا تملك إجابة. لا تعرف الأحلام كما يخبرك عنها أصحابك. حلم مليء بالفراشات، برائحة القمح والنخيل. الأحلام للنائمين؛ هكذا تعزي نفسك. لا طريق تجده عيناك إلى النوم. النوم هروب. موتة صغرى من الحياة وأنتَ متشبث فيها أكثر مما ينبغي لرجل مفتون بالعزلة. أهو الموت تخشى أم الحياة؟ الحلم أم الخيال؟ لكنك لا تعرف إجابة قاطعة، لا تملك تعريفًا خاصًا بالأشياء. تسميها بغير مسمياتها. وتفرح لذكائك وحيدًا في هذا البعد الذي تسميه: بيت.
لكنكَ تهرب إلى صباحات رائحة القهوة ولفافات التِبغ كلما زحف ضوء الشمس إلى نافذتكْ. تسدل الستائر، تغلق تشققات بابك الخشبي بالألواح وتحشوها بأغلفة الكتب القديمة. الكتب ذاتها التي قطعت المحيط من أجلها. وفضلت أن تقتنيها على جوعك. الكتب التي تحبها مستعملة ولامستها أيّديٍ قبلك وتحمل رائحة عتيقة في أوراقها التي بلون “الكريما” الصفراء. لا تقوى على إقتناء الأشياء الجديدة. الجديد يحتاج إلى حضورك الكامل وأنتَ تمتهن الغياب بالفطرة!
وفي المساء تختلي إلى زجاجة نبيذ وكتب الأدب. تُرتل ليلكَ على ضوء الشموع قصيدةً إثر قصيدة. تقرأ حياتك على ضوء البدر حكايةً؛ حكاية. ترى سحراً على هذا الورق؛ الورقة حياة؛ حرف حرف يتشكل كلمة، كلمة كلمة وتكون الفتنة. كأنك تقرأ حنينك إلى الوطن وبيوت الطين وحقول القمح وحليب أمك.
تتذكر رعشة الحب الأولى والمواعيد المسروقة من قبضة الوقت. تبتسم لذكرى؛ تخاطب نفسك: الحب طيشٌ لايليق بالحكماء. تقرأ وتعقد صداقات حميمية مع كل شخصية في الروايات حدثاً؛ حدث. تتحدث إليهم وحين تداهمك الرتابة تهرب إلى حمى الرغبة لجسد آخر. ولا رطوبة إلا رطوبة أعضائك، ولا دفء إلا في لهاث روحك.
تخاطب الغرباء بلا وجل. تكون أنتَ أنت بلا تكلف بينهم. لا تنتحل شخصية أخرى، لا تمارس الكذب على أقرب الناس إليك. تكون أنتَ أنتَ وتتحدث عن الشعر والأدب، عن الموسيقى والكتب والجمال.
لكن صراخه يلحق بك أينما تكون، يأتي من بعيد كنعيق غراب، يبعث القلق في طمأنينة السبات!
– هاك القلم وأكتب
مر وقت طويل. ليس بالكافي لتتلاشى من ذاكرة الورق وتتطاير في غبار الحسرة. وتضيع ملامح وجهك في ذهول النسيان. ليس بالكافي لتهوي في وادي مظلم وحيداً بين وحوش الغربة. مر وقتٌ طويل على إلقاء التحية والابتسامة المتقوسة على الشفتين.
كيف الحال ؟ .. وسررنا بلقائك!
أأنت أنتَ؟ كما عرفتك بعبوسك وجنونك. بتناقضك وأفكارك السوداوية حول نهاية العالم ونهايتك. بسذاجتك وخبثك، بطيبتك وشرورك، وبإحمرار وجنتيك خجلاً كطفل صغير كلما إلتقت عيناكَ بعيني امرأة وأي امرأة كانت سواها. أأنت أنت؟ العاشق المتشائم بالنهايات. المتخاذل واللامبالي أبداً. رحلت باكراً تجر ذيول الخيبة وراءك وعدتَ باكراً أيضاً كما كنتْ بندبة في القلب لا تنمحي وأثر جرح أسفل العنق تواريه بشالها الأزرق!
أزرقٌ وليس قليلاً عليكَ أو كثيراً فوق الحاجة. أزرق وليس مثل لون السماء الرحبة فوق رأسك وأنت غريبٌ عن موطئ قدميك، غريبٌ تمشي وسط زحام المارة، تمشي ولا تقوى على النظر في أعينهم؛ الخوف يقتات من روحك. وروحك مرتع للخوف. أزرق وليس مثل لون البحر الفسيح وأنت تجول النظر في مستقبلك، وفي كل موجة ترى حلما سخيفاً لن يتحقق وفي كل تقوس تبحث عن عزاء للرغبات المكبوتة. لكنه مثلما تريده فتاتكْ، كما تريد من اللون أن يكون. وكل ما حولك، قلمك الذي يكتب، قميصك غير المكوي وبنطال الجينز الذي مل نحول جسدك. أزرق صار من أجلها وأنت تدفن أنفك وسط الشال كلما هممت بالخروج، متدثراً هائماً إلى لفحة برد الشمال وصفعات البعد.تدفن أنفك المتجمد وتنتشي ببقايا عطرها الذي سرقت قبل رحيلك.من أسقط الدمع من عينيك؛ أكانت ريح الشمال أم شالها الأزرق؟
ويصرخ فيك هاك القلم وأكتب
لا اعرف لماذا تتفنن هنا في اعتقال لحظات احب ان اتغاضى عنها في أعماقي…
أكره ان اذكرها واكره اكثر ان اشيح بوجهي عنها يمنة ويسرة ..وأخاف جدا جدا على نفسي ان انساها .!
الألم البشري احيانا متشابه …
غير اني لا ادفن انفي في شال أزرق …فضلت قطع أرنبته ليلهو به
أطفال حارتنا في وقت استراحتهم من أداء الفروض المدرسية..
وماذا لو كتبت ؟
أيحي القلم العظام وهي رميم؟؟!!
لا اعتقد …
_المشكلة التي لايفهمها احد حتى الــقلم وكثير الورق الجائع…
ان الجرح يولد صغيرا ثم ينمو ويكبر وان كل محاولات البوح والعلاج …او حتى
عمليات الإنعاش القصوى…..تبوووووء بأيقاظ سبات الجروح -أولو العصبة – النائمة أكثر ..!
قلمك …..أراهن عليـــــ بأصابعي الخمسة ـــــه .ماشاء الله .
.جلبني هنا اكثر من مرة …وانا عابر ” جميل ” !.
أتمنى أن أجد لك زياراة أكثر
الدار دارك