إن أكثر مايؤلمني عند الحديث مع صحبتي عن الولايات المتحدة الأمريكية وثقافتها وتاريخها هو الجهل الكبير الذي يعيشون فيه. إن صورة هذه الدولة لديهم لا تتعدى المغنين والممثلين والأشياء الدنيئة كما تضعها أمامنا الماكينة الإعلامية. لا تستطيع أبداً إقتصار ثقافة معينة في جزء بسيط كهذا أو حشرها في سلة المهملات كما يفعل البعض. الله سبحانه وتعالى كلف كل مسلم بحمل رسالة الدعوة إلى الإسلام إلى كافة شعوب الأرض التي يقابلها. ولن يتمكن أحد على الإطلاق من حمل رسالة جديدة ومنظومة دينية وأخلاقية إلى شعب آخر دون أن يعرفه ويفهمه جيداً.
لا يمكن التطرق للحديث عن أمريكا دون الحديث عن كاتب مسودة إعلان الإستقلال الأمريكي والرئيس الثالث لهذه الدولة الفتية حينها “توماس جيفرسون – 1743-1827“. هذه الشخصية التي لا تتكرر أبداً ولا يوجد لها شبيه في التاريخ الحديث ماتزال مثاراً للجدل والدراسات للمهتمين في التاريخ والسياسة الأمريكية. هل يمكننا التطرق لجيفرسون دون أن ننظر إلى أسطورته في التاريخ الأمريكي كرئيس ودستوري ومعارض سياسي ومزارع ومبتكر ومفكر وموسيقار وكاتب ومحامي وأب وأرمل ومالك عبيد ومهندس معماري ومصمم مناهج دراسية ومؤسس لجامعة فيرجينا.. إلى الدرجة التي قال عنه الرئيس الراحل جون كينيدي في حفل تكريم الفائزين بجائزة نوبل عام 1962، أنه لم يجتمع مثل هذا العدد من المفكرين والموهبين والمثقفين في البيت الأبيض إلا عندما كان يتعشى هنا توماس جيفرسون!
هذا الرجل الذي إنسحب من المحاماة لعدم قدرته على الخطابة وصوته الرخيم، الذي كما يقول عنه صديقه المقرب وعدوه لفترة الرئيس الثاني للولايات المتحدة الأمريكية ” جون آدمز” أنه طوال فترة خدمته في الكونجرس القاري قبل الثورة وبعدها لم يتكلم إلا ثلاث مرات!!
أتت حرب الخليج وإستيقظ جيلنا على الحلم الأمريكي والقوة الكبرى في العالم في إنبهار ودهشة كبيرة. إلى الدرجة التي أتذكر أنه في حديث عائلي في قريتي الصغيرة في نجد سألنا أخي الصغير الذي يتطلع إلى أولى خطواته في التعليم، ماذا يريد أن يكون حين يكبر؟ ويجيب على والدي بدون تردد بأنه يود أن يكون طياراً حربياً أمريكياً. أعني بهذه الحادثة الشخصية جداً بالإشادة أو التنبيه على حجم تغلغل الإعجاب بهذا الشعب الغريب عنّا والدولة التي أتت لتسعف إخوتنا في الكويت وتضع كل ثقلها تأثيراً على عقول وتفكير هذا الجيل القادم في المملكة. ثم أتى لدينا هذه الثقافة الغربية بكل جوانبها الجيدة والسيئة في وسائل الإعلام مثلما أصبحت الطعام المحبب في الأحاديث العائلية والمناسبات الإجتماعية الخاصة. لكن في الحقيقة ماذا نعرف عن هذه الدولة التي يريد أحد أبنائنا أن يكون سلاحاً في قواتها الجوية!
هذا الرمز، الأسطورة، الأب، توماس جيفرسون هو الشخصية التي يمكن أن تعرف منها كل ماتحتاجها عن أسباب قيام الثورة الأمريكية ووولادة هذه الدولة التي أصبحت تحرك العالم أجمع كيفما تشاء.
- Thomas Jefferson
هذا الرئيس الأمريكي هو الذي قام بأول إفطار في شهر رمضان للمسلمين تكريماً للسفير التونسي عام 1805، و هو صاحب النسخة المترجمة من القرآن الكريم التي أقسم عليها أول سناتور مسلم في تاريخ أمريكي. ولا أعني أنه كان يميل إلى الإسلام بأي شكل من الأشكال. لكنه كان شخصية عظيمة لم تضع فقط بصماتها في التاريخ الأمريكي لكن خلدت إسمها إلى الأبد. وقد لمح إلى هذه الحادثة الرئيس الحالي باراك أوباما في أول طعام إفطار يقيمه في البيت الأبيض عام 2009.
كانت أولى قراءاتي عن توماس جيفرسون في خريف 2009 عندما قرأت مقالة في جريدة نويورك تايمز عن العلاقات الصينية الأمريكية. وأذكر أن أكثر ما شدني وقتها أن المقالة تطرقت للحديث عن السيد جيفرسون وتعلمه اللغة الصينية قُبيل وفاته. – للمعلومية توفى السيد جيفرسون وهو يجيد الفرنسية والإيطالية واللاتينية والإغريقية والأسبانية وأكثر من 12 لهجة من لغة الهنود الحمر– أعني أي عقل بشري يقضي لحظات عمره الأخيرة وهو يتعلم لغة جديدة؟و لأكتشف بعد هذا أن الكرسي المتحرك الذي أستمتع بالجلوس عليه هو أحد أختراعات السيد جيفرسون.
إن أهم ورقة مخطوطة في العالم هذه الأيام هي الورقة التي تحمل إعلان الإستقلال الأمريكي. الورقة إياها التي كتبها توماس جيفرسون وعرضها على رفقائه في لجنة كتابة إعلان الإستقلال جون آدمز وبنجامن فرانكلين – بالمناسبة هو رئيس اللجنة وأصغر شخص فيها – ليراجعوها وإقترحوا تعديلات بسيطة عليها أثارت غضبه ليقول لهم بصوته الرقيق أن كل كلمة في هذه الورقة مُنتقاة بعناية فائقة وإستغرقته 17 يوماً قضاها في كتابة ومراجعة هذا النص التاريخي وكان ملاذه الوحيد وتسليته هو العزف على الكمان في شقته الصغيرة في فلاديلفيا.
هذا الرجل الذي أحاول تسويقه لكم يا أصدقاء كتب إلى أحد أصدقائه يخبره أن بيته وكل مايملك إحترق وهذا لا يهمه أبداً لكنه يكاد يموت من القهر لإحتراق مكتبته وضياع كتبها التي تفوق 6000 كتاب ويطلب منه أن يرسل له مجموعة من الكتب في أول رحلة له إلى بريطانيا العظمى.
إنني أتطرق للحديث عنه وأتذكر رسالة كتبها إلى أحد أصدقائه يحذره من إرسال إبنه إلى الغُربة حيث ينبه على أن ارسال ابناء امريكا الى بريطانيا وفرنسا للدراسة في ضرر كبير، حيث يتعلم الفتية ثقافة مختلفة وعادات لا تتوافق مع المجتمع الأمريكي. كان يشدد على ان الفتى الامريكي المبتعث سيتعلم شرب الخمرة و الاعتياد على حياة الترف والاستقراطية الطاغية هناك. ربما أنني أذكر هذه الحادثة من أجل العريفي وأمثاله. لكن الحقيقة أن المسألة أكبر من هذا الشيء وتتعداه إلى ما هو أهم من سفاسف الأمور. إننا بحاجة إلى تعريف أبنائنا بشخصيات مثل توماس جيفرسيون وأثرها في التاريخ الأمريكي بدلاً من هوليود وأغاني الهيب هاب والمسلسلات الأمريكية. إنهم بحاجة إلى معرفة الرجل الذي قال ذات يوم أنه “لمدة 50 عاما لم تشرق الشمس قط إلا و أنا قد غادرت فراشي“.
بعض المقولات لتوماس جيفرسون:
انني من اشد المؤمنين بالحظ واجد انني كلما اجتهدت في عملي كان حظي أوفر.
النصر والهزيمة يكلفان نفس الثمن.
حينما يتعلق الأمر بالأسلوب، اسبح مع التيار، لكن حينما يتعلق الأمر بالمبادئ، قف كالصخرة.
ثمن الحرية هو اليقظة الأبدية !!
حينما ترتكب الأخطاء إيماناً بأنه بالإمكان تحملها والتغاضي عنها، تكون المقاومة فعل أخلاقي.
ماهي الحكومة التي تحتفظ بحريتها إن لم يتم تحذير حكامها من وقت إلى وقت أن المواطنين يمتلكون روح المقاومة عندما يخشى الشعب حكومتهم يكون هناك طغيان، عندما تخشى الحكومة شعبها تكون الحرية.
كل مايتطلبه الطغيان للوجود هو ابقاء ذو الضمير الحي صامتين.
كم من الآلام تكبدنا بسبب الخوف والقلق من وقوع مصائب لـم تقع أبداً.
من لا يقرأ شيئا على الإطلاق أكثر ثقافة ممن يقرأ الصحف فقط.
لا تشتري ما لا تحتاج لرخص ثمنه، فسوف يصبح عزيزاً عليك.
هذه التدوينة بذرة لبحث مطول عن السيد توماس جيفرسون/ أسأل الله أن يهبني القوة والوقت لإتمامه. آمين
رائع ..
وهبتني فرصة لأقرأ عنه أكثر ..
…(لمدة 50 عامالم تشرق الشمس قط الاوانا قد غادرت فراشي )
احببت تأمل هذة المقولة
ووقفت كثيرا أمامها ..
يحزنني كثيرا طريقة تعاملنا مع الاشياء
ولا اقصد المبتعثين فقط ..بل بالعموم
نحن دائما …لانأخذ الا قشور الحضارات ..
شكرا جزيلا لك ….قلم مفيد
هذا هو الخزي والعار فعلاً
جيفرسون اعتبره مثالي الاعلى
قلت بحثاً .. أهناك أعمال أكبر مما سطّرت لهذا الرجل ؟؟
فلم أقرأسطرا واحد في هذه التدوينة أقل نبلا و قوّة من ما قبله !!
وفقك الله ووهبك مايلزم لاتمام بحثك
آمين
آمين
شكرًا لك
جيفرسون شخصية جديرة بالتسويق!
أتطلّع لقراءة البحث كاملاً.
بإذن الله
أهلا بك