Posts Tagged 'إرنست همنغواي، نوبل، الشيخ والبحر، لمن تقرع الأجراس، كتابة رواية، الكتابة السريعة، القاريء'

الكتابة كما يشتهيها إرنست همنغواي


في الشهرين الماضيين وقعت في غرام الكاتب الأمريكي الأشهر إرنست همنغواي. الكاتب الذي صار مثالي الأعلى في الكتابة وطريقة السرد. بدأت في قراءة لمن يقرع الجرس وإنتهيت بروايته الأشهر الشمس تشرق أيضاً ومجموعة القصصية “قصص نك آدم” . الرحلة التي أعتبرها الأهم في مشواري الذي ابتدأته في الأدب من 3 أعوام. في ودي تقديم قراءة سريعة عن رويات همينقواي لكن المجال لا يتسع لهذا ولا أفضل الحديث عن كتابات أحدهم أو تقديم قراءة حتى وإن كانت سطحية فمهما كانت هذه أعمال أدبية ولا أحد يستطيع أن يكون منصفاً لها تحت أية ظروف. لكنني أريد التحدث اليوم عن الأسلوب الكتاب لهمنقواي الذي جعله أكثر الأدباء تأثيراً في الأدب الإنجليزي الحديث ودفع الكثير لتقليدة ومحاكاته في تجربته الأدبية المكللة بنيله جائزة نوبل في الأدب. الكاتب الذي استيقظ في صباح يوم أحد قبل نصف قرن. وخرج من سريره. أخذ بندقيته التي إصطاد بها الأسود والغزلان والطيور ووجهها إلى ذقنه وأطلق النار. منهياً حياته المتوجة بجائزة نوبل في الأدب وأعماله الأدبية الخالدة وتأثيرة الكبير في كتاب جيله والأجيال اللاحقة.
«أمضي وقتاً كبيراً في قتل الحيوانات والسمك لكي لا أقتل نفسي»، قالها في أحد الأيام. كانت الكتابة ملاذه من أمنية الموت، وإن حفلت بالعنف الذي قلّد حياته. كتب «وداعاً للسلاح» عن الحرب العالمية الأولى، التي رغب في التطوع للقتال فيها ورُفض طلبه لخلل في نظره. لكنه عمل سائق سيارة إسعاف في الحرب ذاتها وأصيب في شمال إيطاليا.عمل مراسلاً حربياً في الحرب الأهلية الإسبانية وكتب “لمن تقرع الأجراس” من وحيها عن حياة الفلاحين وأهل الريف وقت هذه الحرب. رأى الانكشاف الأقصى في مصارعة الثيران، وركض أمامها في شوارع بامبلونا، وكتب “موت بعد الظهر” عنها. استوحى حياته في مسرحية “الطابور الخامس”، التي تناولت صحافية شجاعة تهوى جاسوساً مقداماً يفرط في الشرب ويتظاهر بأنه مراسل حربي. احتقر التنميق في الكتابة واقتصد، ليبرز المشاعر في الحوار والصمت والفعل. حين منحته الأكاديمية السويدية نوبل الأدب في 1954، مدحت تمكّنه من فن السرد، خصوصاً في “الشيخ والبحر” وتأثيره في الأسلوب المعاصر. خشي ألاّ يكتب شيئاً ذا قيمة بعد الجائزة، لكنه وجد صندوقين من الملاحظات عن حقبة باريس في العشرينات. أصدرها في «مأدبة متحركة» (1) و (2).
يقول همنغواي: “أهيئ أغلب أعمالي في ذهني، ولا أبدأ أبدا في الكتابة قبل أن تكون أفكاري منظمة. وكثيرا ما أقوم بتلاوة نصوص من الحوار بالطريقة التي ستكون عليه عند كتابتها، إني أومن بأن الأذن هي أحسن مراقب وحكم. ولا أكتب أي جملة على الورق قبل أن أتيقن بأن الطريقة التي تم التعبير عنها ستكون مفهومة وواضحة تمام الوضوح للجميع”.همنغواي شهير بجمله القصيرة و عرضه المبسط للفكرة التي يريد الحديث عنها. الأمر الذي يجعلني أضعه في مرتبة من القداسة ليس لها مثيل في مجال الأدب. إنه يكتب بوضوح وبألفاظ سهلة ومختارة بعناية فائقة لإيصال الفكرة في أنقى صورها وأصفاها فيما لا يدع مجال للشك فيما يريد قوله. يتميز أسلوبه بالابتعاد عن النعوت والاقتصار على الكلمات والأفعال في جملة قصيرة والإكثار من استخدام حرف العطف “واو” الأمر الذي جعل بعض الكتاب من جيله ينتقدون عدم إلتزامه بالمعايير الأدبية للكتابة الإبداعية. حيث يقول الكاتب الأكثر إثارة للجدل “جي دي سالينجر” أن إسلوب همنغواي عبارة رسائل تلغراف وذلك لفرط قصر جمله وعنايته بها. جي دي سالينجر حالة خاصة سأتعرض لها في مقالة أخرى.

إسلوبه الذي جعل أعماله في متناول الجميع ومحببة لأغلبية القراء. يرجع لكونه كان صحفياً. حيث أن المواد الأخبارية والمقالات يحسب لها بالمساحة لذا تحتاج إلى إختزال واستخدام للجمل القصيرة بوضوح وبشكل مباشر لإيصال الفكرة. هذا الأسلوب الذي يبتعد عن الزخرفة والتنميق ويكون واضح المعالم. حيث الجمل تكون خالية من النعوت والصفات والإطالة التي تشوش على القاريء كما يخبرنا همنغواي بنفسه. هذا لا يعني أنه كان يجعل جميع الجمل قصيرة ومباشرة مما يفقدها عنصر الجذب لكن قدرته على وصف الحدث والشعور في أقل من جملتين وجعلها عالقة في ذهن القاريء هو ما أبهر النقاد والأدباء في زمانه. لكن هذا لا يعني أنه إقتصر على الجمل القصيرة. في روايته الأشهر الشيخ والبحر، كتب همنغواي التالي ” حينئذ شعر بالأسف لأن السمكة الكبيرة ليس لديها ماتأكله وتصميمه على قتلها لم يخبو أبداً مع هذا الشعور بالأسف. وفكر في كم من البشر ستطعم هذه السمكة؟”. هذه الجملتان المتناقضتان: تعاطفه مع السمكة وعدم حصولها على الطعام وعلى النقيض منها إصراره على قتلها. لكن في الجملة القصيرة بعدها أوضح لماذا قام بهذا العمل. في هذه البلاغة العميقة يختزل جميع التفسيرات والتحليلات النفسية في جملة واحدو. أيضاً هذا الخلط بين الجمل الطويلة والقصيرة يضيف بعداً موسيقياً على الكتابة ويجعلها أكثر قرباً للقاريء.
الخاصية الثانية في إسلوب إرنست همنغواي هي سرعة تواتر الجمل. حيث تتميز جمله بسهولة وسرعة القراءة والإستيعاب من قبل القاريء. إنها جمل خفيفة اللفظ وسريعة الإيقاع وواضحة الفكرة حتى للمبتدئين في تعلم اللغة الإنجليزية. همنغواي يستخدم كلمات قصيرة بدلاً من الطويلة ثقيلة اللفظ ثم يستغني في جمله عن الفاصلة ويستبدلها بحرف العطف “واو”. وبرغم أن أن الاستغناء عن الفاصلة بين الجمل قد يجعلها صعبة للفهم لكن همنغواي وشهرته بأعادة كتابة نصوصه وعنايته الفائقة بالنصوص مكنته من تفادي هذه المعضلة.
في رسالة من كاتبنا إلى إحد الكتاب المبتدئين وضع بعض النقاط من أجل الكتابة للجموع وملامسة القراء. يقول في أحدها” إكتب جمل قصيرة وسريعة الإيقاع” و ” لا تحاول أن تكتب مثل شكسبير”. وهو هنا يحتذي الطريق الذي سلكه الأب الروحي للقصة القصيرة أنطوان تشيكوف الذي يقول في إحدى رسائله” في مرحلة التدقيق وقراءة المسودة، إشطب بقدر الإمكان كل الصفات والأحوال التي وضعتها في الجمل. عندما تريد أن تقول أن الرجل جلس على العشب، إكتب الرجل جلس على العشب. إنها واضحة ولا تشوش إنتباه القارئ، لكن أن تكتب ” الرجل متوسط الطول ذو اللحية السوداء الطويلة والعينين الحادتين جلس على العشب الأخضر الممتد تحت شمس الصباح والمخضب بقطرات الندى التي في طريقها إلى التبخر”. إن هذا يشوش عقل القاريء ولا يستطيع استيعابه بسرعة. الكتابة فن يحتاج إلى سرعة بديهة القاريء.. “
الكتابة فن يحمل رسالة. وبعيداً عن النصوص الذاتية والخواطر الخاصة بالفرد، النصوص الأدبية المعتبرة تحمل فكرة ورسالة معينة للمتلقي. وأراه واجباً على الكاتب أن يعتني بهذا الفن ليستميل شريحة أكبر ومتابعين أكثر ولعل أن يكون بها نفعاً ومفارقة فكرية للقاريء.

مراجع
مودي بيطار (2011). إرنست همنغواي الكاتب النرجسي المتقلب المزاج. دار الحياة اللندنية.
http://www.daralhayat.com/portalarticlendah/283823
كريستوفر مارتن – إرنست همنغواي: تشريح نفسي لانتحار. مجلة الطب النفسي الأمريكية


تغريدة تويتر

رميتُ في الذاكرة

Blog Stats

  • 59٬114 hits