“لو أنني كنت اعتقد أن جوابي سيعود للأرض، هذا اللهب سوف يتوقف عن الحركة، لكن لا أحد عاد حياً من هذا القعر، واذا كان ما سمعت حقيقة، سأجيبك بدون خوف من لهب النار” الجحيم – دانتي 27.61
لنمضي إذن، أنت و أنا
حينما ينتشر المساء في السماء
مثل مريض مُخدر على طاولة العمليات
لنمضي في الشوارع نصف المهجورة
مأوى الهمز واللمز
لـ ليالي الأرق في “فنادق الليلة الواحدة” الرخيصة
والمطاعم المفروشة بنشارة الخشب وأصداف المحار
الشوارع التي تتتابع مثل حجة مملة
بنواياً خبيثة
لتدفعك إلى سؤالٍ مُلح
آه، لا تسأل ما هو؟
دعنا نمض، ونقم بزيارتنا
في الحجرة، النساء يجئن و يذهبن
يتحدثن عن مايكل أنجلو
الضباب الأصفر* (المقصود بالضباب الأصفر هو الموت) الذي يحك ظهره على زجاج النافذة،
الدخان الأصفر الذي يحك أنفه على زجاج النافذة،
لعق بلسانه زوايا المساء،
تسكع فوق البرك التي تجمعت في مصارف الأمطار،
ترك السخام المتساقط من المداخن يسقط على ظهره،
إنزلق عبر الشرفة
قفز فجأة،
و عندما رأى أنها ليلة من ليالي أكتوبر الناعمة
تكور على نفسه بجوار المنزل، ونام
طبعاً سيكون هناك وقت
للدخان الأصفر الذي ينزلق بطول الشارع
فاركاً ظهره على زجاج النوافذ
هنالك وقت .. هنالك وقت
لتعد وجهًا (قناعاً) تقابل به الوجوه التي تقابلها؛
سيكون هنالك وقت لتقتل و تخلق،
و وقت لكل الأعمال وأيام الأيادي * ( اشارة لقصيدة الشاعر الاغريقي هيديوس)
التي ترفع سؤالاً ثم تلقيه في طبقك،
وقت لك، ووقت لي
ووقت أيضًا لمائة تردد
ولمائة تصور وتعديل
قبل تناول قطعة خبز وشاي.
في الحجرة، النساء يجئن و يذهبن
يتحدثن عن مايكل أنجلو
حتمًا هناك وقت
لأتساءل : “هل أجرؤ ؟” ، و .. “هل أجرؤ ؟“
وقت لأعود أدراجي وأهبط السلم؛
ببقعة صلعاء في منتصف شعري
[سيقولن: ياللشعره وقد بدأ يخف]
ومعطفي الصباحي وياقتي المشدودة بإحكام إلى ذقني
ربطة عنقي الأنيقة المتواضعة لكنها مثبتت بدبوس بسيط
[سيقولن: لكن ما أنحف ذراعاه و ساقاه]
هل حقا أجرؤ على إزعاج العالم؟
في الدقيقة هناك وقت
لإتخاذ القرارات والتراجع عنها
هذا ماستعكسه دقيقة أخرى
ذلك لأنني قد عرفتهم جميعًا قبل هذا، عرفتهم كلهم
قد عرفت الليالي و الأصباح و الأصائل
لقد قستُ كل حياتي بملاعق القهوة
أعرف الأصوات التي تتوارى بوقع خافت
خلف الموسيقى الآتية من غرفة بعيدة
فكيف إذن أجرؤ؟
وبالفعل لقد عرفت العيون، عرفتها كلها
العيون التي تضعك في جملة محبوكة
و عندما أكون ممداً على مسمار* كما يقول العلماء المهتمين بدراسة الحشرات، يضعوهنا في ابرة تحت المجهر
عندما أكون مسماراً متلويا على الحائط
كيف إذن أبدأ
في بصق كل النهايات الخرقاء لطرقي و أيامي ؟
و كيف قد أجرؤ ؟
وبالفعل، لقد عرفت الأذرع، عرفتها كلها
أذرع على سوار، بيضاء و ناعمة
(لكن تحت ضوء المصباح تكون مكسوة بزغب بني خفيف)
أهو عطر من فستان
هذا الذي يجعلني أستطرد؟
أذرع تتمدد على الطاولة، أو تلتف حول شال
و هل ينبغي لي أن أجرؤ الآن؟
و كيف تراني قد أبدأ؟
أينبغي أن أقول : أنني مشيت خلال عتمة الليل في الشوارع الضيقة
وشاهدت الدخان المتصاعد من غلايين الرجال الوحيدين
مشمري الأكمام، و هم يطلون من النوافذ
كان يجدر بي أن أكون زوج من المخالب الثائرة
يخمش في قيعان بحار الصمت
و في الأصيل، المساء، ينام في غاية الهدوء
ممهد بأصابع طوال
نائم .. تعِب، أو أنه متمارض
ممدد على الأرض هنا بجوارك، و بجواري
أيجب عليَ بعد الشاي، و الكعك، و قطع الثلج
أن أتحلى بالقوة لدفع اللحظة إلى لحظتها الحرجة؟
لكن .. و برغم أني قد بكيت و صُمت، بكيت و صليت
برغم أني قد رأيت رأسي (الآخذ في الصلع) مجلوبا على طبق
فأنا لست نبيا، وهذا ليس أمراً عظيماً
فلقد رأيت لحظات مجدي تتألق
و لقد رأيت “ذو الأقدام الضخمة” الأبدي يحمل معطفي و حذائي
و للحظة إرتعبت.
و هل ترى الأمر كان يستحق بعد كل هذا؟
بعد الفناجين، و المربى، و الشاي
بين أطقم البورسلين، وحديثا بيني وبينك
أتراه كان يستحق و لو قليلاً
أن تقاطع الحديث بابتسامة
أن تضغط العالم كله في كرة
لتدحرجها بتجاه سؤال ملحاح
لتقول : “أنا لازاروس* – قادم إليكم من عالم الأموات –
رجعت لأخبركم بكل شيء، يجب أن أخبركم عن كل شيء” – لازاروس احد الصالحن الذين أعادهم عيسى عليه السلام بعد موته بأربعة أيام
إن كانت واحدة متستندة برأسها إلى وسادة
يجب أن تقول: ” ليس هذا ما قصدته على الأطلاق ليس هذا على الأطلاق “
و هل ترى الأمر كان يستحق بعد كل هذا
أتراه كان يستحق ولو قليلا
بعد لحظات الغروب ، و أفنية المنازل ، و الشوارع المرشوشة
بعد الروايات ، بعد فناجين الشاي ، بعد التنانير التي تخلف أثراً على الأرض
بعد هذا كله و غيره الكثير؟
إنه يستحيل أن أقول بالتحديد ما أعنيه !
إلا كما يلقي فانوس سحري بأشكاله في الظل التي يصنعها على الشاشة:
هل كان يستحق؟
ولو أن واحدة متستندة إلى و سادة أو ملتفة بشال
وتستدير إلى النافذة، إنها يجب أن تقول:
” هذا ليس المقصود أبداً،
ليس هذا ما قصدته، على الإطلاق “
لا ! .. أنا لست بالأمير “هاملت” و لا ينبغي لي أن أكون
ما أنا إلا لورد من حاشيته، لورد يفي بالغرض
ليحرز تقدماً، يبدأ مشهداً أو مشهدين
يُشير على الأمير – طبعاً- سهل الانقياد
محترم، سعيد كونه نافعاً للآخرين
سياسي، حذر، دقيق
يتحدث بعلو وكبرياء، لكن يصعب فهمه بعض الشيء،
أحياناً – أو في الغالب- يكون سخيفاً
وفي الغالب – أو أحياناً- يكون المهرج
أني أشيخ .. أشيخ
وسأرتدي بنطالي مُشمراً عن أطرافه
أيجب أن أُسرح شعري إلى الخلف، اأجروء على أكل خوخه ؟
ربما يجب أن أرتدي بنطالأ أبيض مغري، و أمشى على الشاطيء
لقد سمعت عرائس البحر يغنين، واحدة لأخرى
ولا أعتقد أنهن سيغنين لي
من ناحية البحر، رأيتهن راكباتٍ الأمواج
يمشطن الشعر الأبيض للموج الطائر للخلف
عندما الرياح تفجر المياه البيضاء و السمراء.
لقد تسكعنا من قبل في غرف البحر
بجوار بنات البحر المكللات بالأعشاب البحرية الحمراء و البنية
إلى أن أيقضتنا الأصوات البشرية وغرقنا