Posts Tagged 'tinkerbell'

75

عزيزتي تنكربل ،


لم نتخاطب منذ وقت طويل. لا أدري ما أعني الان بـنتخاطبلكن يبدو أنها أقرب ما يمكن أن اتذكره من المفردات. أقول أنه لم يتسنَ لنا الإلتقاء منذ شتاء 2009 ولا بعدما رمينا القرصان هوكمن شرفة الشقة. كانت أوقات جميلة تلك التي تشدين فيها على أنفي كلما اجتاحتك الرغبة في الضحك. أو أردتي البكاء وخرق طبلة أذنيّ بصوتك : رنين الجرس. تنكريل لم استطع البقاء طفلاً أكثر من ذلك. يبدو أن العيش طفلاً ضرب من الجنون الآن. لكن ، يا ألله، لا أريد أن اشيخ أكثر. لم أحدثك عن تفاصيل حياتي باستفاضة مثلما كنتُ أفعل تلك الايام. إنني لا أدري ما الذي يحدث حولي الآن. أصبتُ بحالة من عدم الاكتراث غير طبيعية جداً. يبدو هذا من تأثير شيخي ديوستفسكيعلى عقلي. لم أخبرك أن اول رواية قرأتها كانت له. رواية الرجل الصرصار“. كان كل ماعلق بذهني وقتها هو هذه المقولة: “أن شدة الأدراك مرض .. أنه مرض حقيقي خطير .” هذا ماكنت أهرب منه طوال طفولتي. وعندما رأيت جنون صديقي الأهبل نيتشه ، أغلقت على الإدراكفي خزانة الملابس ورحلت الى مدينة أخرى.

تنكربل، كم مرة أخبرتني أن افضل صديق هو الكتاب. لماذا كذبت علي وقلت هذا. وكنتُ أنا ساذجاً بما يكفي لأصدق كل كلمة تقوليها. إنني أجلس بين أصدقائي الكتب كل يوم. أصرخ فيهم لكنهم خواء. لا يغضبون لا يبكون لا يبتسمون و لا يسمعون ما أقوله أبداً. كلهم يجيبون بنفس الصيغة : هل تعلم أن بـلا بـ ـ لا بـ ـ لا ! هذا يقتلني يا تنكربل. تعبت من الإنصات، لا أريد أن أكون حائط مبكى آخر. لا أريد أن أكون “أورانيا” الآلهة الاغريقية متأملاً في السماء. لا أريد ذلك. أريد الحياة . هربتُ الى الموسيقى بعدك. إلى تشوبان بالتحديد. لم أخبرك أنني أفضله على بتهوفن وموزات وكل الموسيقيين في العالم. إنه يعزف للقلب. ولا يهم ان كنت لا تحب البيانو او لا، لن تستطيع تجاهل موسيقاه. إنني ممتن لوجوده الان أكثر من أي وقت آخر. كما يقولون عنه أنه يكتب الشعر بالبيانو! غرقت معه طيلة شهر كامل. حصلت على جميع اعماله وانصتْ ، جعلته صديقي الاول وطردت البقية من غرفة نومي. شاركته كل شيء لكنه لم يسمع ما اقول حتى الآن.

تنكربل ، لم اخبرك انني أريد كتابة قصة للأطفال ، ليس قصة شبيه بعالمك الذي يطير في الاطفال ويقفزون فرحاً. ويزرعون النخيل فوق الغيم ويقطفون الورد من حقول خضراء شاسعة. قصة ليس فيها وينديولا القرصان هوك“. قصة عن النخيل والأبل والمواشي. قصة من و عن عالمهم الذي يرونه كل يوم و ليست قصة من عالم آخر لا يعرفونه. هذا كان يشوش على عقلي عندما كنت أقرأ قصص الاطفال أول ماتعلمت القراءة. لم اشاهد وردة ولا زهرة، ولا اعرف اشجار البلوط ولا الصنوبر. كلها كانت بعيداً عن واقعي وكثبان الرمل التي تحيط بقريتي. لم ير أحد في قريتنا أسداً او حماراً وحشي. هذا كله يؤلمني الان يا تنكربل. أنا واقعي جداً ولا أحب الخيال في الكتابة. عكسك تماماً يا مدام فنتازيا. طيلة الاسبوع الماضي وهذه الفكرة مسيطرة على بالي. أريد أن أكون طفلاً ألعب مع بقية الاطفال واحكي لهم القصص التي أريد أنا سماعها.

لازلت لا أثق بكلام أحد ولا أخذ أصوات الناس على محمل الجد. ولازلت أؤمن أن الجحيم هو الآخرين.” إنني أجيد تجاهل البشر تماماً عندما أريد ذلك. لكنني لم اتخلص يامدام فنتازيا من أن أقول لالأحد. هذا الأمر أصبح يزعجني الان. يزعجني كثيراً. نسيت أن أخبرك أنني أصبحت كاذباً محترفاً . بالأمس فقط تمكنت من الكذب على صاحبة الشقة وهي تحاصرني من اجل دفع الايجار. أخبرتها وتظاهرت بالأرتباك أنني أفضل البقاء معها على العيش في الجنة! وصدقتني بحمرة الخجل في وجنتيها. أعتقد أن الارتباك هو الخطوة الاولى لتستميل الآخر كما يقول نيتشه. أقول أنني أصبحت أكذب أكثر بعد ذلك الشتاء. وصارت الحياة أسهل للعيش الآن وأرحب.

لن تصدقيني ان أخبرتك أن أحد الغرباء أرسل رسالة يسألني فيها إن كنتُ شاذا جنسياً .. ههه ، لا أدري من يأتي الناس بهذه الاستنتاجات. أحدهم يقرأ جملتين في علم النفس ويظن أن باستطاعته أن يعرف أعمق المشاعر في صدرك. هل تصدقين ذلك. فرويد ومن يعتقد أنهم يعرفون كل شيء عن النفس البشرية. لا أدري متى يتعلمون رؤية ما أكتب ولا يربطونه بحياتي الشخصية. لم أغضب من هذه الرسالة بل دفعتني الى الضحك بهستيريا. ما أجمل الناس واستنتاجاتهم يا تنكربل.

لا أجد شيئاً جديداً أخبرك به، ليس أن حياتي فارغة من الاحداث أو أنني لا أعيش كما أريد – ليس فعلاً. لكنني أقول أنني لم استطع الطيران بعد ذلك الشتاء.


من بلاد العجائب

ياسر


تغريدة تويتر

رميتُ في الذاكرة

Blog Stats

  • 59٬114 hits